فصل: تفسير الآية رقم (214):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (196- 200):

{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نزلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200)}
{وَإِنَّهُ} أي: ذِكْرُ إنزال القرآن، قاله أكثر المفسرين. وقال مقاتل: ذِكْرُ محمد صلى الله عليه وسلم ونعته، {لَفِي زُبُرِ الأوَّلِينَ} {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً} قرأ ابن عامر: {تكن} بالتاء {آية} بالرفع، جعل الآية اسمًا وخبره: {أَنْ يَعْلَمَهُ} وقرأ الآخرون بالياء، {آية} نصب، جعلوا الآية خبر يكن، معناه: أو لم يكن لهؤلاء المنكرين علم بني إسرائيل آية، أي: علامة ودلالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، لأن العلماء الذين كانوا من بني إسرائيل، كانوا يخبرون بوجود ذكره في كتبهم، وهم: عبد الله بن سلام وأصحابه. قال ابن عباس: بعث أهل مكة إلى اليهود وهم بالمدينة فسألوهم عن محمد صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن هذا لزمانه، وإنا نجد في التوراة نعتَه وصفته، فكان ذلك آية على صدقه.
قوله تعالى: {أَنْ يَعْلَمَهُ} يعني: يعلم محمد صلى الله عليه وسلم، {عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} قال عطية: كانوا خمسة عبد الله بن سلام، وابن يامين، وثعلبة، وأسد، وأسيد. {وَلَوْ نزلْنَاهُ} يعني القرآن، {عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ} جمع الأعجمي، وهو الذي لا يفصح ولا يحسن العربية وإن كان عربيا في النسب، والعجمي: منسوب إلى العجم، وإن كان فصيحا. ومعنى الآية: ولو نزلناه على رجل ليس بعربي اللسان. {فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ} بغير لغة العرب، {مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} وقالوا: ما نفقه قولك، نظيره قوله عز وجل: {ولو جعلناه قرآنًا أعجميًا لقالوا لولا فُصِّلَتْ آياتُه} [فصلت- 44]، وقيل: معناه ولو نزلناه على رجل ليس من العرب لما آمنوا به أنفةً من اتّباعه. {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ} قال ابن عباس، والحسن، ومجاهد: أدخلنا الشرك والتكذيب {فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ}.

.تفسير الآيات (201- 213):

{لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الألِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)}
{لا يُؤْمِنُونَ بِهِ} أي: بالقرآن، {حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ} يعني: عند الموت. {فَيَأْتِيَهُمْ} يعني: العذاب، {بَغْتَةً} فجأة، {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} به في الدنيا. {فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ} أي: لنؤمن ونصدق، يتمنون الرجعة والنَّظِرَة. قال مقاتل: لما أوعدهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب، قالوا: إلى متى توعدنا بالعذاب؟ متى هذا العذاب؟ قال الله تعالى: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ} كثيرة في الدنيا، يعني: كفار مكة، ولم نهلكهم. {ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} يعني: بالعذاب. {مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} به في تلك السنين. والمعنى: أنهم وإن طال تمتعهم بنعيم الدنيا فإذا أتاهم العذاب لم يغن عنهم طول التمتع شيئًا، ويكون كأنهم لم يكونوا في نعيم قط. {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنْذِرُونَ} رسل ينذرونهم. {ذِكْرَى} محلها نصب، أي: ينذرونهم، تذكره، وقيل: رفع أي: تلك ذكرى، {وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ} في تعذيبهم حيث قدمنا الحجة عليهم وأعذرنا إليهم. {وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ} وذلك أن المشركين كانوا يقولون إن الشياطين يلقون القرآن على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فقال جل ذكره: {وما تنزلت به}، أي: بالقرآن، الشياطين. {وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ} أن ينزلوا بالقرآن، {وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} ذلك. {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ} أي: عن استراق السمع من السماء، {لَمَعْزُولُونَ} أي: محجوبون بالشهب مرجومون. {فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: يحذر به غيره، يقول: أنت أكرم الخلق علي ولو اتخذت إلهًا غيري لعذبتك.

.تفسير الآية رقم (214):

{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ (214)}
{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ} روى محمد بن إسحاق، عن عبد الغفار بن القاسم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، عن عبد الله بن عباس، عن علي بن أبي طالب. قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ} دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا علي إن الله يأمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعًا وعرفت أني متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمتُّ عليها جاءني جبريل، فقال لي: يا محمد إلا تفعل ما تؤمر يعذبك ربك، فاصنع لنا صاعًا من طعام واجعل عليه رِجْلَ شاةٍ، واملأ لنا عُسًّا من لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أبلغهم ما أُمرتُ به». قال علي رضي الله عنه: ففعلت ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب، وحمزة، والعباس، وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعته فجئت به، فلما وضعته تن اول رسول الله صلى الله عليه وسلم جذبة من اللحم، فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة، ثم قال: «خذوا باسم الله» فأكل القوم حتى ما لهم بشيء حاجة، وايْمُ الله إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم، ثم قال: «اسقِ القومَ» فجئتهم بذلك العُسِّ، فشربوا حتى رووا جميعًا، وايمُ الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله. فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم بدره أبو لهب فقال: سحركم صاحبكم، فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الغد: «يا علي إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعتَ من القوم فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فَعُدَّ لنا من الطعام بمثل ما صنعت ثم اجمعهم»، ففعلت ثم جمعتهم فدعاني بالطعام فَقَرَّبْتُه، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا وشربوا ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بخيري الدنيا والآخرة. وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني على أمري هذا؟ ويكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فأحجم القوم عنها جميعًا، فقلت- وأنا أحدثهم سنًا- أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه. قال: فأخذ برقبتي ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا»، فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيع.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا أبو أسامة، حدثنا الأعمش، حدثنا عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما: لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ} ورهطك منهم المخلصين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف يا صاحباه، فقالوا: من هذا؟ فاجتمعوا إليه فقال: «أرأيتكم إن أخبرتكم أن خيلا تخرج من صفح هذا الجبل أكنتم مصدقيّ»؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبًا قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» فقال أبو لهب: تبًا لك ما جمعتنا إلا لهذا، ثم قام: فنزلت: {تبت يدا أبي لهب وقد تب} هكذا قرأ الأعمش يومئذ.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثني عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ} صَعِدَ النبي على الصفا فجعل ينادي: «يا بني فهر، يا بني عدي- لبطون قريش- حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: أرأيتَكم لو أخبرتُكم أنَّ خيلا بالوادي تريد أن تُغير عليكم أكنتم مُصَدِّقِيِّ؟» قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقًا، قال: «فإني نذيرٌ لكم بين يديْ عذابٍ شديدٍ»، فقال أبو لهب: تبًا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: {تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه مالك وما كسب}.

.تفسير الآية رقم (215):

{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)}
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، أنا أبا هريرة قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ} فقال: «يا معشر قريش، أو كلمة نحوها، اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئَا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئَا، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئَا، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئًا».
أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري، أخبرني جدي أبو سهل بن عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز، أخبرنا أبو بكر محمد بن زكريا العذافري، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الدبري، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن عياض بن حمار المجاشعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل أمرني أن أعلمكم ما جَهِلْتُم ممَّا علَّمني يومي هذا، وإنه قال: إن كلَّ مالٍ نَحَلْتُه عبادي فهو لهم حلال، وإني خلقت عبادي حُنَفَاءَ كلهم، فأتتهم الشياطين فاجْتَالَتْهم عن دينهم، وحرَّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأَمَرْتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا وإن الله نظر إلى أهل الأرض فَمَقَتَهم عَرَبَهم وعَجَمَهم إلا بقايا من أهل الكتاب، وإن الله تعالى أمرني أن أخوف قريشًا، فقلت: يا رب إنهم إذا يَثْلَغُوا رأسي حتى يدعوه خُبْزَةً، فقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وقد أنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء، تقرؤه في المنام واليقظة، فاغزهم نُغْزِك، وأنفق ننفق عليك، وابعثْ جيشًا نمدِدْك بخمسة أمثالهم، وقاتلْ بمن أطاعك من عصاك، ثم قال: أهل الجنة ثلاثة: إمام مُقْسِط، ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم، ورجل غني متصدق، وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا دِين له، الذين هم فيكم تبعٌ لا يتبعون بذلك أهلا ولا مالا ورجل إن أصبح أصبح يخادعك عن أهلك ومالك، ورجل لا يخفي له طمع- وإن دق- إلا ذهب به، والشِّنْظِيرُ الفاحش. قال: وذكر البخل والكذب». قوله عز وجل: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.

.تفسير الآيات (216- 220):

{فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)}
{فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} من الكفر وعبادة غير الله. {وَتَوَكَّلْ} قرأ أهل المدينة، والشام: {فتوكل} بالفاء، وكذلك هو في مصاحفهم وقرأ الباقون بالواو {وتوكل}، {عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} ليكفيك كيد الأعداء. {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} إلى صلاتك، عن أكثر المفسرين. وقال مجاهد: الذي يراك أينما كنت. وقيل: حين تقوم لدعائهم. {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} أي: يرى تقلبك في صلاتك في حال قيامك وركوعك وسجودك وقعودك. قال عكرمة وعطية عن ابن عباس: في الساجدين أي: في المصلين. وقال مقاتل والكلبي: أي مع المصلين في الجماعة، يقول: يراك حين تقوم وحدك للصلاة ويراك إذا صليت مع المصلين في الجماعة. وقال مجاهد: يرى تقلب بصرك في المصلين، فإنه كان يبصر من خلفه كما يبصر من أمامه. أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هل ترون قبلتي هاهنا، فوالله ما يخفي علي خشوعكم ولا ركوعكم، إني لأراكم من وراء ظهري» وقال الحسن: {وتقلبك في الساجدين} أي: تصرفك وذهابك ومجيئك في أصحابك المؤمنين. وقال سعيد بن جبير: يعني وتصرفك في أحوالك، كما كانت الأنبياء من قبلك. والساجدون: هم الأنبياء. وقال عطاء عن ابن عباس: أراد تقلبك في أصلاب الأنبياء من نبي إلى نبي حتى أخرجك في هذه الأمة. {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

.تفسير الآيات (221- 225):

{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنزلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنزلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225)}
{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ} أخبركم، {عَلَى مَنْ تَنزلُ الشَّيَاطِينُ} هذا جواب قولهم: تنزل عليه شيطان، ثم بين فقال: {تَنزلُ} أي: تتنزل، {عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ} كذاب، {أَثِيمٍ} فاجر، قال قتادة: هم الكَهَنَةُ، يسترق الجنُّ السمعَ ثم يلقون إلى أوليائهم من الإنس. وهو قوله عز وجل: {يُلْقُونَ السَّمْعَ} {يُلْقُونَ السَّمْعَ} أي: يستمعون من الملائكة مستقرين، فيلقون إلى الكهنة، {وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} لأنهم يخلطون به كذبًا كثيرًا. قوله عز وجل: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} قال أهل التفسير: أراد شعراء الكفار الذين كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر مقاتل أسماءهم، فقال: منهم عبد الله بن الزبعري السهمي، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي، ومشافع بن عبد مناف. وأبو عزة بن عبد الله الجمحي، وأمية بن أبي الصلت الثقفي، تكلموا بالكذب وبالباطل، وقالوا: نحن نقول مثل ما يقول محمد. وقالوا الشعر، واجتمع إليهم غواة من قومهم يستمعون أشعارهم حين يهجون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويروون عنهم وذلك. قوله: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} هم الرواة الذين يروون هجاء النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين. وقال قتادة ومجاهد: الغاوون هم الشياطين. وقال الضحاك: تهاجى رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما من الأنصار والآخر من قوم آخرين، ومع كل واحد منهما غواة من قومه، وهم السفهاء فنزلت هذه الآية. وهي رواية عطية عن ابن عباس. {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ} من أودية الكلام {يَهِيمُونَ} جائرون وعن طريق الحق حائدون، والهائم: الذاهب على وجهه لا مقصد له.
قال ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية: في كل لغو يخوضون وقال مجاهد: في كل فن يفتنون. وقال قتادة: يمدحون بالباطل ويستمعون ويهجون بالباطل فالوادي مَثَلٌ لفنون الكلام، كما يقال: أنا في وادٍ وأنت في واد. وقيل: {في كل وادٍ يهيمون} أي: على كل حرف من حروف الهجاء يصوغون القوافي.